الخميس، 28 نوفمبر 2024

درس مطالعة: (الولدُ الشّقيّ، أندرسون)، أدبٌ دنماركيّ، 2024-2025



 أستاذة العربيّة: فوزيّة الشّطّي    مطالعة: الوَلَدُ الشَّقِيُّ    أندرسون  

 معهد المنتزه    2ث    2024-2025  

كَانَ يُوجَدُ شَاعِرٌ عَجُوزٌ، يُعَدُّ مِنَ الشُّعَرَاءِ الكِبَارِ، جَالِسًا فِي بَيْتِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ. وَإِذَا بِالـجَوِّ يَعْصِفُ، وَالـمَطَرُ يَهْطِلُ مِدْرَارًا [غَزِيرًا، كَثِيرًا]. وَلَكِنَّ الشَّاعِرَ العَجُوزَ كَانَ مُتَنَعِّمًا بِالدِّفْءِ عِنْدَ الـمَوْقِدِ حَيْثُ النَّارُ مُشْتَعِلَةٌ وَالتُّفَّاحُ يُشْوَى عَلَى الـجَمْرِ.

قَالَ الشَّاعِرُ، إِذْ كَانَ مِـمَّنْ يُسَمُّونَهُمْ بِالشُّعَرَاءِ الرَّقِيقِينَ: «لَنْ يَبْقَى خَيْطٌ جَافٌّ فِي ثِيَابِ الَّذِينَ يَـمْشُونَ فِي الـخَارِجِ الآنَ». صَاحَ حِينَهَا طِفْلٌ صَغِيرٌ خَارِجَ البَيْتِ: «آهٍ! اِفْتَحُوا البَابَ لِي. إِنِّي أَتَـجَمَّدُ مِنَ البَرْدِ، مُبْتَلٌّ جِدًّا». كَانَ يَبْكِي وَيَدُقُّ البَابَ عِنْدَمَا كَانَ الـمَطَرُ يَهْطِلُ وَالرِّيحُ تَعْصِفُ بِالنَّوَافِذِ.

قَالَ الشَّاعِرُ العَجُوزُ وَهْوَ يَقُومُ لِيَفْتَحَ البَابَ: «يَا لَلصَّغِيرِ الـمِسْكِينِ!». عِنْدَ البَابِ وَقَفَ وَلَدٌ صَغِيرٌ عَارٍ تَـمَامًا، يَقْطُرُ الـمَاءُ مِنْ شَعْرِهِ الأَصْفَرِ الطَّوِيلِ، وَهْوَ يَرْتَعِدُ مِنَ البَرْدِ. كَانَ مِن الـمُؤَكَّدِ أَنَّهُ سَيَمُوتُ لَوْ بَقِيَ فِي الـخَارِجِ.

قَالَ الشَّاعِرُ العَجُوزُ ثَانِيَةً وَقَدْ أَمْسَكَ بِيَدِ الطِّفْلِ: «يَا لَلصَّغِيرِ الـمِسْكِينِ! تَعَالَ إِلَيَّ. سَأُدَفِّئُكَ. سَأُعْطِيكَ القَلِيلَ مِنَ النَّبِيذِ وَتُفَّاحَةً لِأَنَّكَ وَلَدٌ لَطِيفٌ». وَكَانَ الطِّفْلُ لَطِيفًا حَقًّا. بَدَتْ عَيْنَاهُ مِثْلَ نَجْمَتَيْنِ صَافِيَتَيْنِ. وَرَغْمَ أَنَّ شَعْرَهُ كَانَ يَقْطُرُ مَاءً فَقَدْ تَجَعَّدَتْ خُصُلاَتُهُ وَأَخَذَتْ شَكْلاً جَمِيلاً. كَانَ يُـمْسِكُ فِي يَدِهِ قَوْسًا وَنُشَّابًا [سَهْمًا، نَبْلاً] جَمِيلَيْنِ. وَقَدْ تَلِفَ القَوْسُ مِنَ الـمَطَرِ، كُلُّ الأَلْوَانِ عَلَى ذَلِكَ القَوْسِ الجَمِيلِ اخْتَلَطَتْ بِبَعْضِهَا بَعْضًا بِسَبَبِ الـمَطَرِ.

جَلَسَ الشَّاعِرُ العَجُوزُ عِنْدَ الـمَوْقِدِ. وَأَجْلَسَ الوَلَدَ الصَّغِيرَ فِي حِضْنِهِ. جَفَّفَ شَعْرَهُ مِنَ الـمَاءِ. أَدْفَأَ يَدَيْهِ بِأَنْ وَضَعَهُمَا بَيْنَ رَاحَتَيْهِ. وَسَقَاهُ نَبِيذًا مَغْلِيًّا حُلْوًا. فَاسْتَعَادَ الطِّفْلُ صِحَّتَهُ، وَتَوَرَّدَتْ وَجْنَتَاهُ [مَا ارْتَفَعَ مِنَ الـخَدَّيْنِ]. فَأَخَذَ يَقْفِزُ عَلَى الأَرْضِ وَيَرْقُصُ حَوْلَ الشَّاعِرِ العَجُوزِ.

قَالَ العَجُوزُ: «إِنَّكَ لَوَلَدٌ مَرِحٌ. مَا اسْـمُكَ؟». أَجَابَ الطِّفْلُ: «اِسْـمِي كيُوبِيد. أَلاَ تَعْرِفُنِـي؟ هَا هُوَ قَوْسِي وَنُشَّابِي. بِهِ أَرْمِي. اُنْظُرْ، بَدَأَ الـجَوُّ يَتَحَسَّنُ فِي الـخَارِجِ. وَهَا هُوَ القَمَرُ يَسْطَعُ بِنُورِهِ». قَالَ العَجُوزُ: «وَلَكِنَّ قَوْسَكَ تَالِفٌ». قَالَ الوَلَدُ الصَّغِيرُ: «هَذَا أَمْرٌ سَيِّءٌ». وَرَفَعَ القَوْسَ وَالنُّشَّابَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا. وَصَاحَ: «يَا لَلْمُفَاجَأَةِ! إِنَّهُ جَافٌّ جِدًّا. وَلَـمْ يَتْلَفْ إِطْلاَقًا. فَالوَتَرُ فِي مَكَانِهِ مَشْدُودٌ. سَأُجَرِّبُهُ الآنَ». ثُمَّ شَدَّ الوَتَرَ. وَسَدَّدَ النُّشَّابَ. وَرَمَى بِهِ الشَّاعِرَ العَجُوزَ فِي قَلْبِهِ. قَالَ الوَلَدُ وَهْوَ يَضْحَكُ بِصَوْتٍ عَالٍ جِدًّا: «أَلاَ تَرَى الآنَ أَنَّ قَوْسِي وَنُشَّابِي لَـمْ يُصِبْهُمَا شَيْءٌ؟!». وَانْطَلَقَ رَاكِضًا فِي سَبِيلِهِ.

يَا لَهُ مِنْ وَلَدٍ شَقِيٍّ! أَهَكَذَا يَرْمِي الشَّاعِرَ العَجُوزَ الَّذِي أَدْخَلَهُ بَيْتَهُ الدَّافِئَ وَالَّذِي عَطَفَ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ النَّبِيذَ الطَّيِّبَ وَأَحْسَنَ تُفَّاحَةٍ لَدَيْهِ؟! اِسْتَلْقَى الشَّاعِرُ الطَّيِّبُ عَلَى الأَرْضِ يَبْكِي. فَقَدْ رَمَاهُ الطِّفْلُ فِي قَلْبِهِ بِالفِعْلِ. وَكَانَ يَقُولُ : «اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ. يَا لِـهَذَا الكيُوبِيد مِنْ وَلَدٍ شَقِيٍّ! عَلَيَّ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ الأَطْفَالِ الـحُلْوِينَ عَنْ ذَلِكَ. عَلَيْهِمْ أَنْ يَـحْذَرُوا مِنْهُ وَلاَ يَلْعَبُوا مَعَهُ لِأَنَّهُ سَيُؤْذِيهِمْ».

وَقَدْ أَخَذَ كُلُّ الأَطْفَالِ الـحُلْوِينَ، أَوْلاَدًا وَبَنَاتٍ، الـحَذَرَ مِنَ الَّذِي أَخْبَرَهُمْ عَنْهُ الشَّاعِرُ العَجُوزُ. وَلَكِنَّهُ خَدَعَهُمْ رَغْمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُـحْتَالٌ. عِنْدَمَا كَانَ الطُّلاَّبُ يُغَادِرُونَ الصَّفَّ [قَاعَةَ الدَّرْسِ] يَـمْشِي بِـجَانِــبِهُمْ يَتَأَبَّطُ [يَضَعُ تَحْتَ إِبِطِهِ] كِتَابًا وَيَرْتَدِي ثَوْبًا أَسْوَدَ. فَلاَ يُـمْكِنُهُمْ التَّعَرُّفُ عَلَيْهِ إِطْلاَقًا. لِذَا كَانُوا يُرَافِقُونَهُ مُعْتَقِدِينَ أَنَّهُ طَالِبٌ أَيْضًا. وَلَكِنَّهُ حِينَهَا يَرْمِيهِمْ بِسَهْمِهِ فِي صُدُورِهِمْ. وَحَتَّى عِنْدَمَا تَزُورُ الفَتَيَاتُ القَسَّ [القَسِّيسَ: مَرْتَبَةٌ دِينِيَّةٌ لَدَى النَّصَارَى] فِي الكَنِيسَةِ يَتْبَعُهُنَّ أَيْضًا. النَّاسُ هَدَفُهُ دَوْمًا. فَهْوَ يَجْلِسُ فِي الثُّرَيَّا الكَبِيرَةِ الـمُعَلَّقَةِ فِي سَقْفِ الـمَسْرَحِ. وَيُشْعِلُ نَفْسَهُ. فَيَعْتَقِدُ النَّاسُ أَنَّهُ مِصْبَاحٌ. وَلَكِنَّهُمْ بَعْدَهَا يَشْعُرُونَ بِشَيْءٍ مُغَايِرٌ. وَتَـجِدُهُ كَذَلِكَ يَرْكُضُ فِي مُتَنَزَّهِ حَدِيقَةِ الـمَلِكِ وَفِي الـمَتَارِيسِ [الـمِتْرَسُ: خَشَبَةٌ أَوْ حَدِيدَةٌ تُوضَعُ خَلْفَ البَابِ لِإِحْكَامِ إِغْلاَقِهِ] أَيْضًا. بَلْ إِنَّهُ رَمَى أَبَاكَ وَأُمَّكَ ذَاتَ مَرَّةٍ فِي قَلْبَيْهِمَا. مَا عَلَيْكَ إِلاَّ أَنْ تَسْأَلَـهُمَا وَتَسْمَعَ مَا يَقُولاَنِ. أَجَلْ إِنَّهُ وَلَدٌ شَقِيٌّ، هَذَا الكيُوبِيد. عَلَيْكَ أَنْ تَتَجَنَّبَ التَّقَرُّبَ مِنْهُ. هَدَفُهُ النَّاسُ جَمِيعُهُمْ. تَصَوَّرْ، وَهَذَا أَفْظَعُ مَا فِي الأَمْرِ، أَنَّهُ رَمَى بِسَهْمٍ الـجَدَّةَ العَجُوزَ. لَكِنَّهَا تَعَافَتْ مِنْهُ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ. لَكِنَّهَا تَعَافَتْ مِنْهُ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ. شَيْءٌ كَهَذَا لاَ تَنْسَاهُ الـجَدَّةُ أَبَدًا. اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ، هَذَا الكيُوبِيد اللَّعِينُ. وَلَكِنَّكَ تَعْرِفُهُ الآنَ، تَعْرِفُ أَيَّ وَلَدٍ شَقِيٍّ هُوَ.

كُتِبَتْ فِي عَامِ 1835

هانس كريستيان أندرسن، قِصَصٌ وَحِكَايَاتٌ خُرَافِيَّةٌ، ترجمة: دُنى غالي وستي غاسموسن ✤ ✤دار المدى، بغداد، ط1، 2006، صص: 107-108، (بتصرّف)

- هانس كريستيان أندرسن Hans Christian Andersen [1805.4.02-1875.8.05]: أديبٌ دانماركيّ، كتبَ الشّعرَ والرّوايةَ والمسرحيّةَ. أهمُّ أعمالِه الأدبيّةِ هيَ الحكاياتُ الخرافيّةُ الـمُستلهمَةُ مِن الخرافاتِ الشّعبيّةِ الّتي كان سمعَها وهو طفلٌ. وقد كتبَها بأسلوبٍ فنّـيٍّ مُـميَّزٍ جعلَها تلائِمُ الصّغارَ والكبارَ على السَّواء.  

أجبْ عن الأسئلةِ التّاليةِ كتابيّا:

-      اِبحَثْ عن تعريفِ الشّخصيّةِ الأسْطوريّة 'كيوبِيد' Cupid.

-      لِـماذا كانتْ أغلبُ ضحايَا كيُوبِيد مِن الصّغار وَمِن كبارِ السّنّ؟

-      اِستعملَ الكاتبُ في آخرِ الخرافة ضميرَ المخاطَب المفرد (أَنْتَ). إلى مَن يُوجِّه خطابَه المباشِرُ؟

-      ما المعاني الرّمزيّةُ في هذهِ الحكايةِ الخرافيّةِ؟

عمـــلا مـــوفّقا  


ليست هناك تعليقات: