الاثنين، 24 يوليو 2017

الفرض التّأليفيّ 2: (التّحليل الأدبيّ) محور 4: (الرّومنطيقيّة)، نصّ: (أبو ماضي)، الإصلاح، 2016-2017


أســـتاذة العربـيّة
الفرض التّأليفيّ 2 : التّحليل الأدبيّ
معهد قرطاج حــنّـبعل
فوزيّة الشّـــطّي
2 آداب: 1 + 2
17 ماي 2017
[هذا جُزءٌ من القصيدة المطوّلة 'الطَّلاَسِمُ' الّتي نُظِمَتْ على تفعيلةِ: فَاعِلاَتُنْ]
الطَّــــلاَسِــــمُ
[الطَّلْسَمُ: كتابةٌ غامِضةٌ يَسْتعمِلُها السّاحِرُ زاعِمًا أنّه يَدْفَعُ بِها كُلَّ أَذِيّةٍ]
1-              جِئْتُ، لاَ أعْلَمُ مِنْ أَيْنَ. وَلَكِنِّي أَتَيْتُ.
2-              وَلَقَدْ أَبْصَرْتُ قُدَّامِي طَرِيقًا. فَمَشَيْتُ.
3-              وَسَأَبْقَى مَاشِيًا إِنْ شِئْتُ هَذَا أَمْ أَبَيْتُ.  [رَفَضْتُ، اِمْتَنَعْتُ]
4-              كَيْفَ جِئْتُ؟ كَيْفَ أَبْصَرْتُ طَرِيقِي؟
5-              لَسْتُ أَدْرِي!
6-              إِنْ يَكُ الْـمَوْتُ هُجُوعًا يَـمْلَأُ النَّفْسَ سَلاَمَا  [سُكُونًا، نَوْمًا]
7-              وَانْعِتَاقًا لاَ اعْتِقَالاً وَابْتَدَاءً لاَ خِتَامَا،
8-              فَلِمَاذَا أَعْشَقُ النَّوْمَ وَلاَ أَهْوَى الحِمَامَا؟  [الـمَوْتَ، الهَلاَكَ]
9-              وَلِـمَاذَا تَـجْزَعُ الْأَرْوَاحُ مِنْهُ؟  [تَفْزَعُ، تَـخَافُ]
10-         لَسْتُ أَدْرِي!
11-         أَيْنَ ضَحْكِي وَبُكَائِي وَأَنَا طِفْلٌ صَغِيرْ؟
12-         أَيْنَ جَهْلِي وَمِرَاحِــي وَأَنَا غَضٌّ غَرِيرْ؟  [فَرَحِي، مَرَحِي نَاعِمٌ، صَغِيرُ السِّنِّ]
13-         أَيْنَ أَحْلاَمِي وَكَانَتْ كَيْفَمَا سِرْتُ تَسِيرْ؟
14-         كُلُّهَا ضَاعَتْ. وَلَكِنْ كَيْفَ ضَاعَتْ؟
15-         لَسْتُ أَدْرِي!
16-         أَنَا لاَ أَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ حَيَاتِي الْـمَاضِيَهْ.
17-         أَنَا لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا عَنْ حَيَاتِي الآتِيَهْ.
18-         لِيَ ذَاتٌ. غَيْرَ أَنِّي لَسْتُ أَدْرِي مَا هِيَهْ[هِيَهْ = هِيَ]
19-         فَمَتَى تَعْرِفُ ذَاتِي كُنْهَ ذَاتِي؟  [حَقِيقَةَ، جَوْهَرَ]
20-         لَسْتُ أَدْرِي!
إيليا أبو ماضي، الموسوعةُ العالميّة للشّعر العربيّ
حلّلْ هذا النّصَّ تحليلا أدبيّا مُسترسِلا مستعِينا بالأسئلة التّالية:
-       صَوَّرَ النَّصُّ حَيْرَةً فَلْسَفِيَّةً. مَا مَضْمُونُها؟ ومَا هِيَ أسْبَابُهَا؟ وكيْفَ صَاغَهَا الشَّاعِرُ؟
-       مَا رَمْزِيَّةُ 'الْوِلاَدَةِ' و'الطُّفُولَةِ' و'الْـمَوْتِ' فِي هَذَا النَّصِّ التَّأَمُّلِيِّ؟
-      عَمَّا عَبَرَّتِ القَفْلَةُ «لَسْتُ أَدْرِي»؟
-       مَا الأَدِلَّةُ عَلَى أنَّ هَذَا النَّصَّ رُومَنْطيقيٌّ؟        
عَـمـلا مُـوَفّــــقا
....................................................
الإصْلاحُ
1-        المقدّمة:
-         نتناول بالتّحليل الأدبيّ نصّا مِن الشّعر الحرّ نُظِم على تفعيلة 'فَاعِلاَتُنْ'، اُنتُخِب مِن القصيدة المطوّلة 'الطَّلاَسِمُ' الّتي ألّفها الشّاعرُ اللّبنانيّ الرّومنطيقيّ المعاصر 'إيليا أبو ماضي' والّتي نُشِرتْ في 'الموسوعةُ العالميّةُ للشّعرِ العربيِّ'.
-        يُمثّل النّصُّ حيرةً فلسفيّة رومنطيقيّةً تتأمّل في حياةِ الإنسان مَبْدأً ومَسارا ومُنتَهًى.
-         يمكنُ قسمةُ النّصّ رباعيّا: الأسطرُ الخمسةُ الأولى: الولادةُ + الأسطرُ الخمسةُ الثّانية: الموتُ + الأسطرُ الخمسة الثّالثة: الطّفولةُ + الأسطرُ الخمسةُ الأخيرة: الذّاتُ.   
2-        الجوهر:
أ‌-           الولادةُ[س1 س5]:
-   ضميرُ المتكلّم المفرد (أنا)، تواترُ الجملِ الفعليّة الوصفيّة، تجاوُرُ الأزمنةِ الثّلاثة (ماض، حاضر، مستقبل)، الاستفهامُ الإنكاريّ (كَيْفَ) الباحثُ في كيفيّة الوجود، المراوحةُ بين النّفي والإثبات (جِئْتُ / لاَ أَعْلَمُ..)، الطِّباقُ: (شِئْتُ / أَبَيْتُ)..
-   يتكلّمُ الشّاعرُ على لسان نفسِه: يَصِف الولادةَ باعتبارها أوّلَ أشكالِ المعاناة البشريّة. تلك الولادةُ الّتي لم يَـخترْ زمانَها ولا مكانَها ولا شروطَها، بلْ لم يخترْها إطلاقا. لقدْ فُرضتْ عليه غصبا عن إرادته.
-    يتّخذُ الوجودُ صورةَ الحدثِ القَدريِّ القاتم الغامض الّذي يُثيرُ الهواجسَ والمخاوف لا السّعادةَ والاستبشار..
-     خُتِمَ المقطعُ الأوّل باللاّزمة «لستُ أدري» الّتي تُوهِمُ بالإجابةِ عن أسئلتِه. معناها: لا جوابَ عمّا سبَقَ من استفهامات، ولا يقينَ يُبدّدُ الحيرةَ. الشّاعرُ يُقرُّ بأنّه يجهلُ الحكمةَ مِن وراء بَعْثِه إلى الوجود.
ب‌-       الموتُ: [س6 س10]:
-    الأسطرُ الأربعةُ الأُولى جملةٌ شرطيّة، جوابُها استفهامٌ مزدوجُ التّركيبِ (فلماذا.. ولماذا..) يبحثُ في عِلّةِ النّفور مِنَ الموت، ضميرُ المتكلّم المفرد (الأنا الشّاعرةُ)، ضميرُ الغائب (هي/ الأرواحُ) الدّالُ على جميعِ البشر، المراوحةُ بين أسلوبيْ النّفي والإثبات (اِنعتاقا/ لا اعْتِقالا.. اِبتداءً/ لا خِتاما)، الطِّباق: (أعشقُ/ لا أهوَى)..
-       يُسائِل الشّاعرُ الحائرُ نفسَه عن سرِّ رَهْبتها مِن الموتِ رغم ما يحملُه لها مِنْ 'هُجُوعٍ' و'سَلاَم' و'انْعِتَاق': يَعترِفُ ضمنيّا بحبّه للحياةِ على ما فيها مِنْ عناءٍ، تلك الحياة الّتي لم يَشَأ الـمَجيءَ إليها..
-       إذا كانت الولادةُ حدثا مُؤرّقا، فإنّ الموتَ حدثٌ فاجعٌ تهابُه النّفوسُ بل تعافُه. نحن نستثقلُ الأُولَى لكونِها ورطةً بقدرِ ما نخشَى الثّانيَ لكونِه مِـحْنةً بل مأساة..
-    خُتِمَ المقطعُ الثّاني باللاّزمة «لَسْتُ أدْرِي»: فيها يُصرّح الشّاعرُ بعجزه عن إيجاد حلٍّ لهذا التّناقضِ القديم في النّفس البشريّة: يتكلّمُ الشّاعرُ على لسانِ البشرِ أجمعين.
ت‌-       الطّفولةُ: [س11 س15]:
-       تتالتْ ثلاثةُ استفهامات حقيقيّة بنفس الأداة (أينَ)، ضميرُ المتكلّم المفرد (الأنا الشّاعرةُ)، جملةٌ خبريّة تحوي الجوابَ الـمُبهَم على ما سبقَ، استفهامٌ إنكاريّ (كَيْفَ) يبحثُ في أسباب 'ضَيَاعِ' الطّفولة السّاذجة الحالمة الوديعة أو يَستنكرُ مُضِيَّها في لمحِ البصر..
-       تكرارُ المعجم الدّالّ على الطّفولة (طِفْلٌ، صَغِير، غَضّ، غَرِير)..
-       توصيفُ هذه المرحلة الحياتيّة العزيزة على قلوب النّاس عموما وعلى الرّومنطيقيّين خصوصا: (ضَحِك، بُكَاء، جَهْل، مَرَاح، أَحْلاَم). هي عُمْرُ المشاعرِ العفويّة الجيّاشة الحقيقيّة..
-       الطّفولةُ هي المرحلةُ الحياتيّة الوحيدة الخاليةُ مِنْ همومِ الحيرة حول المصير الإنسانيّ. لذا نتذوّق فيها حلاوةَ الحياة وغامرَ السّعادة. ثمّ نظلّ نحنُّ إليها كما يحنُّ آدمُ إلى جنّته المفقودة..
-       خُتِمَ المقطعُ الثّالثُ باللاّزمة «لستُ أدري» الّتي تكشفُ الحسرةَ على رحيل الطّفولة بأسرع ممّا يريدُ الشّاعرُ بل الإنسانُ عامّةً..
ث‌-      الذّاتُ: [س16 س20]:
-       جملتان اسميّتان مضمونُهما منفيٌّ (لاَ أذْكُرُ، لاَ أَعْرِفُ): الإقرارُ بنسيانِ الماضي وبجهلِ الآتي: كأنّما هو بلا ذاكرةٍ تحفظُ تاريخَه وبلا أملٍ يبنِي به مستقبلَه..
-       ضميرُ المتكلّم المفرد (أنَا، ي، لَسْتُ): يُسندُ التّوصيفَ لذاته فيما يُشبه الاعترافَ بنقيصة أو بذنبٍ..
-      الاستدراكُ (غَيْرَ أَنِّي): يَرفعُ توهُّما تولَّدَ مِن كلامٍ سابق: أقرَّ أوّلا بأنّه صاحبُ 'ذاتٍ'، ثمّ استدركَ ثانيا ليعترفَ بأنّه لا يَعرفُ لها كُنْها أو حقيقة أو جوهرا. فهي في حُكمِ الغامض المجهول المبحوث عنه..
-       الاستفهامُ عن زمنِ انتهاء الحيرة حول كُنْهِ الذّات الشّاعرة (مَتَى): التّشوّقُ إلى حالةِ الانسجام مع النّفسِ وإلى اليقين مِن فوضَى العبث..
-       خُتِمَ المقطعُ الرّابعُ باللاّزمة «لستُ أدري» الّتي تُعلنُ الحيرةَ الدّائبة حول جوهر هذا الكائن الآدميّ في علاقته بنفسه كما في علاقته بالآخرين..
3-        الخاتمة:
-       هذا النّصُّ الرّومنطيقيّ نموذجٌ فريد لتجلّي النّزعةِ الفلسفيّة التّأمّليّة في الأدب العربيّ المعاصر. فلا يبدُو 'إيليا أبُو ماضي' حرِيصا على تقديم الأجوبة الجاهزة. حَسْبُه أنْ يطرح عويصَ الأسئلة وأن يُحرّكَ السّواكنَ الجامدةَ ويستفزَّ العقولَ الخاملة..
-       يغوصُ الشّاعرُ في أعماقِ نفسِه مُشرِّحا إيّاها كاشفا ما تعجُّ به من عواطفَ متناقضةٍ وأخيلةٍ غامضة وأفكارٍ غريبة جريئة. وهو بذلك يسعَى إلى تحليل كوامنِ النّفس البشريّة عامّة: الشّعرُ الرّومنطيقيّ قد يكون 'الطَّلْسَمَ' الّذي به تُقاوَمُ الحيرةُ والعبثيّةُ والعنفُ الجنونيّ..
-       النّصُّ دعوةٌ شعريّة رومنطيقيّة إلى أن يراجعَ الإنسانُ نفسَه وأن يحسّنَ سيرتَه في هذا الكونِ الملغَّمِ بالشّرّ..
عملا موفّقا
فوزيّة الشّطّي
تونس: 2017.07.24


صورة ضوئيّة قابلة للتّحميل